أَتَـيْتُ لِتَكونَ لَهُم حياةُُ ولِيَكُونَ لَهُمْ أَفضَل


أَنَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ


يوحنا(10-9): أنا هو الباب. إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى (10) السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك، وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل (11) أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف (12) وأما الذي هو أجير، وليس راعيا، الذي ليست الخراف له، فيرى الذئب مقبلا ويترك الخراف ويهرب، فيخطف الذئب الخراف ويبددها (13) والأجير يهرب لأنه أجير، ولا يبالي بالخراف (14) أما أنا فإني الراعي الصالح، وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني، (15) كما أن الآب يعرفني وأنا أعرف الآب. وأنا أضع نفسي عن الخراف (16) ولي خراف أخر ليست من هذه الحظيرة، ينبغي أن آتي بتلك أيضا فتسمع صوتي، وتكون رعية واحدة وراع واحد.

 

في الايات اعلاه الكثير من المعاني, لكن ماذا نفهم منها حقيقةََ؟

 

اولاََ : انا هو الباب : فقد قال الرب في:

يوحنا(14-6): قال له يسوع: " أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي"

وجاء في سفر الاعمال(4-14): فلا خلاص بأحد غيره، لأنه ما من اسم آخر تحت السماء أطلق على أحد الناس ننال به الخلاص.

 

إذن فقد تحدد الطريق وأسم الباب الوحيد للخلاص, ألا وهو الرب يسوع المسيح وفدائهُ. فلا خلاص بإتباع اي طريقِِ آخر يزينهُ السراق والشياطين ليسرقوا اجساد وأرواح البشر وينتهوا بهم في جهنم النار. ولا يمكن ان يأتي احد بعد المسيح ليدعي بأنَّهُ يُكمِل طريق الخلاص! فالسارق الذي تتكلم عنهُ الاية 10 هو من يسرق ويذبح ويُشتت الرعية تحت مسمياتِِ شتى ليفوز هو بالغنائِِم ويُهلك من يستولي عليهم او يتبعوه.

 

ثانياََ : انا هو الراعي الصالح, والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. فمحبة السيد الرب يسوع المسيح للبشر دفعتهُ أنْ يبذل نفسه فديةََ على الصليب لفداء كل من يؤمن بهِ وبفداءِهِ. اي لكل من ينتمي إلى خراف المسيح, اي لكل مؤمن بفداء الرب, اي لكنيسة المسيح التي أسسها بدمهِ الكريم. وهذا الحب تجلى في الآية التالية:

 

يوحنا(3-16): أنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية.

 

فالله لم يخلق البشر لكي يعبدوه او يتسلى بوجودهم او لكي يرثوا الارض ويخضعوها, لا بل أحبهم حباََ مطلقاََ بحيث خلقهم ليكونوا على صورتهِ ومثالهِ, وألإنسان هو الوحيد من مخلوقات الله جميعاََ الذي يتميز بوجود جزء من الخالق فيهِ, فالله منحَ هذا الجزء لكل بشر عندما نفخ فيهِ نسمة حياةِِ منه, اي روحهُ. ولذا قال:

 

 المزمور(83-1): اَللهُ قَائِمٌ فِي مَجْمَعِ اللهِ. فِي وَسْطِ الآلِهَةِ يَقْضِي.  ... (6) أَنَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ.

 

أَفَهِمْتُم من أَنتُم  يا اَيُها البَشَر؟ (إنَّكم آلهة والله سيجلس وسطكم ليقضي أي ليُدينكم يوم الدينونة) ولم يخلِقَكُم للعبث بل آلهة لذا اودع جزءََ منهُ في كُلِّ واحدِِ منكم , فلا تدعوا إبليس والسراق يغررون بكم, فالله هو المحبة المطلقة, ولا يأمر بالقتل ولا يريد ان يهلك او يموت أحد من البشر جميعاََ ,  وعلى كُلِّ حال, فبأقلِ تقدير ومهما حاول ابليس والسراق ان يشتتوكم ويفهموكم بتعالي وتغطرس الله وتكبره, فهذه الكلمات المغرضة تحاول وضع شرخ بين الانسان وخالقه لتُبعدَه عنه , وحتى لو إفترضنا جدلاََ َ بصحتها , فالله حتى لو لم يحب شيء او احد ما, فهو على الاقل محِبُُ لذاتِهِ, وبما أَنَّ الانسان فيهِ جزء من الخالق, فالله سيحبه لأنَّهُ من ضمنِ ذاته وفيه من روح الله التي اودعت فيهِ عند خلقهِ, فكما ترون فإنَّ الله الكلي المحبة, حتى لو لم يحب ولم تكن صفة المحبة ملازمة لوجوده, فهو على اقلِ تقدير سيحب ذاته,  والانسان جزء من هذهِ الذات ما دامت روحه التي إنبثقت من الله فيهِ.

 

ثالثاََ: ولي خراف أخر ليست من هذه الحظيرة.

اليهود إعتقدوا بأنَّهُم هم شعبُ الله المختار, وإِنَّهُم الوحيدون الذين دعوا ليكونوا أبناء الله! ولم يفهموا بأَنَّ الدعوة إبتدأت بالنبي إبراهيم وبهم, وبأَنَّهُم لم يكونوا سوى رمزاََ لشعب الله, فشعب الله الحقيقي , هُم الذين دُعوا ليكونوا أبناءََ لله, هم من سيخلصون وينتهي بهم المطاف ليصبحوا سكاناََ لأُورشليم السماوية التي ستبقى إلى ألأبد. واليهود بقوا كغيرهم متمسكين بأُورشليم الارضية الفانية, والتي لم تكن هي ألأُخرى سوى رمزاََ فانياََ ترمُزُ إلى أُورشليم السماوية العتيدة الابدية, والتي سيسكُنها الله مع شعبِهِ ألمختار السماوي الحقيقي.

 

ودعوة الخلاص شمولية شملت كُلَّ ألأُمم, وهذا تجلى في دعوى كرنيليوس وأَهل بيتِهِ, فظهرَ لهُ ملاك الرب وقالَ لهُ "يَا كَرْنِيلِيُوسُ، سُمِعَتْ صَلاَتُكَ وَذُكِرَتْ صَدَقَاتُكَ أَمَامَ اللهِ , فأرسل إلى سمعان الملقب بطرس فهو متى جاء يكلمك"  (أعمال(10-31/32), فدعى كرنيليوس أنسباءه وأصدقاءه الأقربين وأرسلَ ليطلبَ بطرس.

 

اعمال(10-28): قال لهم (بطرس): " أنتم تعلمون كيف هو محرم على رجل يهودي أن يلتصق بأحد أجنبي أو يأتي إليه. وأما أنا فقد أراني الله أن لا أقول عن إنسان ما إنه دنس أو نجس (29) فلذلك جئت من دون مناقضة إذ استدعيتموني. فأستخبركم: لأي سبب استدعيتموني؟

.... (37)  ففتح بطرس فاهُ وقال: "أنتم تعلمون الأمر الذي صار في كل اليهودية مبتدئا من الجليل بعد المعمودية التي كرز بها يوحنا (38) يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة الذي جال يصنع خيرا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس لأن الله كان معه (39) ونحن شهود بكل ما فعل في كورة اليهودية وفي أورشليم. الذي أيضا قتلوه معلقين إياه على خشبة (40) هذا أقامه الله في اليوم الثالث وأعطى أن يصير ظاهرا (41) ليس لجميع الشعب بل لشهود سبق الله فانتخبهم. لنا نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات (42) وأوصانا أن نكرز للشعب ونشهد بأن هذا هو المعين من الله ديانا للأحياء والأموات (43) له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا" .

(44) فبينما بطرس يتكلم بهذه الأمور حل الروح القدس على جميع الذين كانوا يسمعون الكلمة (45) فاندهش المؤمنون الذين من أهل الختان كل من جاء مع بطرس لأن موهبة الروح القدس قد انسكبت على الأمم أيضا (46) لأنهم كانوا يسمعونهم يتكلمون بألسنة ويعظمون الله. حينئذ أجاب بطرس: (47) " أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن أيضا؟ (48) وأمر أن يعتمدوا باسم الرب.

 

فلو بقي الامر متعلقاََ باليهود لما طالت الدعوة بقية الامم ابداًََ, لكن الدعوة وجهت للأُمم من قِبلَ الله ذاته, فخضع بطرس والتلاميذ لامر الله, ودخل الامم في رعية الرب يسوع , واصبح الذين في داخل الحضيرة والذين خارجها رعية واحدة, ولها راعي واحد هو الرب يسوع المسيح, وبفدائه اصبحنا ابناء الله بألإيمان والتبني, أي شعب الله المختار السماوي, ولنا راعِِ واحد هو الله ذاته.

 

رابعاََ:  أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل . (وفي بعض الاناجيل ولتكون الحياة لهم اوفر):

 

فما معنى هذا الكلام, ولكي نفهمه سنحاول أن نفهم لما كان الفداء, وبالحقيقة لما خلق الله الانسان؟ ونقارن  بين طبيعة آدم وحواء قبل السقوط والطرد, والطبيعة التي سيكونون عليها بعد فداء الرب يسوع وخلاصهم, ليكونوا من ضمن شعب الله المختار السماوي المخلص.

 

فجسد آدم خُلِقَ من تراب الارض, ونفخَ الله فيهِ نسمة حياة, اي الروح فأصبح آدم نفساََ حية, ثم خلقَ من ضلعهِ حواء, فأصبح كلا الإثنين حييان ولهما الحياة الابدية وكان مسكنهما في الفردوس الارضي حيثُ انهر فيشون المحيط بأرض الحويلة (الحبشة سابقاََ - أثيوبيا حاليا) وجيحون (اي النيل)  المحيط بارض كوش (مصر والسودان وارض النوبة)  وحداقل اي نهر دجلة الجاري في شرق آشور ونهر الفرات. 

 

اي كان لآدم وحواء جسد ارضي وروح من الخالق (نفسُ حية) وحياة ابدية, لكن لا يستطيعان أن يميزا بين الخير والشر. وبسقوطهما  خسرا الحياة الابدية, وأصبح مصيرهما هو الموت الروحي والجسدي الابدي .

 

فما قدمَّ وعمل الفداء للإنسان؟

تجسد الاقنوم الثاني , اي مجيء الرب يسوع  إلى ارضنا وفداء الانسان وفر شيئاََ إضافياََ للإنسان, لم يكن آدم وحواء يمتلكانه, ولا حتى يحلمانِ بهِ, فما هو: فدعنا نرى:

 

قال الرب يسوع المسيح:

يوحنا(6-54): مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ . .. (56) مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ.

 

وفي يوحنا(11-25): قَالَ لَهَا يَسُوعُ: "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا".

 

يوحنا(17 - 5): والان مجدني أنتَ يا أبَتِ عندك بألمجدِ الذي كانَ لي عندكَ قبلَ كونِ العالم ... (11) أيُها ألآبُ القدوسُ إحفَظ بإسمِكَ الذينَ أعطيتَهُم لي ليكونوا واحداََ كما نحنُ واحدُُ............. (17) قَدسهُم بِحَقِكَ, إن كَلِمَتِكَ هي الحق.......... (20) ولَستُ أسألُ من أجلِ هولاءِ فقط بل أيضاََ من أجلِ الذين يؤمنونَ بي عن كلامِهم (21) ليكونوا هُم أيضاََ فينا حتى يُؤمنَ العالم أنكَ أنتَ أرسلتني (22) وأنا قد أعطيتُ لهم المجدَ الذي أعطيتَهُ لي ليكونوا واحداََ كما نحنُ واحد (23) أنا فيهِم وأنتَ فيَّ لِيَكونوا مُكَملينَ في الوحدةِ حتى يعلَم العالم إنكَ أنتَ أرسلتني وإنَكَ أحبَبتَهُم كما أحبَبتني.

 

الكلام هنا خطيرُُ جداََ نقرأهُ ونمر عليهِ مرورَ الكرام ولا نُفَكِرُ بهِ كثيراََ!! فسوف يَتَحِدُ بألله تلاميذُ المسيح, والمُؤمنين بالفادي عن كلامهِم, ويُكَمِلُوا في الوحدةِالأزلية,  بعدَ أن يكونوا قد وسِموا بوسمِ الحياة, وقُدِسوا بالدمِ الطاهِرِ المُراقِ على الصليبِ, وولِدوا ولادةََ جديدة من الماءِ والروحِ, ومُنِحوا الحياةَ بِجَسَدِ ودمِ الفادي, فالمسيح لهُ المجد يَطلِبُ إضافَتَهُم الى الوحدةِ الثُلاثيةِ ألأزليةِ, ليَكونوا مُكَمِلِينَ في الوحدة ذاتِها, وأن يكونَ اللهُ هو الكل في الكل كما كان قبل خلقِ أي شيْ.

 

1كورنتس(15-42): فهكذا قيامة الأموات: يزرع الجسد بفساد ويقوم بلا فساد؛ (43) يزرع بهوان ويقوم بمجد؛ يزرع بضعف ويقوم بقوة؛ (44) يزرع جسد حيواني ويقوم جسد روحاني. بما أنه يوجد جسد حيواني، فإنه يوجد جسد روحاني أيضا (45) وكما قد كتب "جُعِلَ الإنسان الأول، آدم، نفسا حية"؛ وآدم الآخر روحا محييا (46) ولكن، لم يكن الروحاني أولا؛ بل الحيواني، ثم بعدئذ الروحاني (47) ألإنسان الأول من الأرض، من التراب؛ والإنسان الثاني من السماء (48) فعلى مثال الترابي يكون الترابيون؛ وعلى مثال السماوي يكون السماويون (49) وكما لبسنا صورة الترابي فلنلبس أيضا صورة السماوي (50) بيد أني أؤكد، أيها الإخوة، أن اللحم والدم لا يستطيعان أن يرثا ملكوت الله، ولا الفساد أن يرث عدم الفساد (51) وها إني أكشف لكم سرا: لن نرقد كلنا؛ ولكن، سنتحول كلنا (52) فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ . 

 

هنا نفهم ماذا سيحصل للمؤمنين, وماذا سيحصل لآدم وحواء بعد الفداء, فهم سيُشاركون المسيح اي الاقنوم الثاني في حياتهِ الابدية, وكما قام هو بجسد روحاني ممجد, سيكونون ايضاََ على مثاله, اي ستتغير اجسادهم الارضية عند القيامة إلى أجساد روحانية ممجدة إسوةََ بالرب يسوع المسيح, وتكون النتيجة:

 

سيكون لآدم وحواء والمؤمنين بعد الفداء أجساد روحانية ممجدة, وسَيُشاركون الرب يسوع في حياتِة الأبدية  الغير متناهية, وسيكونون مكملين في الوحدة الثلاثية الازلية ذاتها, فهذا هو الافضل والاوفر الذي تكلم عنهُ الرب يسوع, فبِمجيئهِ وبِفدائهِ غير أجساد آدم وحواء والمؤمنين إلى أجساد روحانية ممجدة, وبدل الحياة الابدية الواحدة اصبحوا يُشاركون الإقنوم الثاني في حياتهِ اللانهائية , فهو منبع الحياة الابدية ذاتها, وبدل أن يكونوا  اطفالاََ لا يميزون الخير والشر أصبحوا وهم ضمن ومتوحدين مع الخالق كُليي المعرفة.


نعم هكذا تمَّ القول: " أَنَا قُلْتُ ِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ.




نوري كريم داؤد


20 / 04 / 2011



"إرجع إلى ألبداية"